(تنبيه: التدوينة تحتوي على تخريب لأحداث الفيلمين)
أحبّ الكثيرون فيلم ’’آل باتشينو‘‘ الشهير ’’عطر امرأة‘‘ 1992 وأداءه الخارق لدور الأعمى المتهور السيء ولكن ما قد يغفله معظمهم أن الفيلم مُقتبس عن نسخة سابقة إيطالية قام بإخراجها ’’دينو ريزي‘‘ عام 1974 من بطولة النجم ’’فيتّوريو غازمان‘‘.
شاهدت خلال عطلة الأسبوع هذه الفيلمين الإيطالي والأمريكي، وحاولت قدر الإمكان عدم المقارنة بكل تفاصيل العملين مع الأخد بعين الاعتبار الفارق الزمني والفوارق الإنتاجية بين البلدين.
قصة الفيلم مقتبسة عن رواية إيطالية بنفس الاسم لـ ’’جيوفاني آربينو‘‘ وتحكي قصة ضابط سابق في الجيش فقد بصره أثناء لهوه بإحدى القنابل يسافر لعدة أيام برفقة شاب دفع له لمرافقته.
الضابط الأعمى المتهور الطائش السكّير النسونجيّ يجعل حياة هذا الشاب مشوقة لعدة أيام، في النسخة الإيطالية يسافر ’’فوستو‘‘ من تورينو إلى جنوة وروما فنابولي بينما في النسخة الأمريكية يسافر ’’فرانك‘‘ من نيو هامبشاير إلى نيويورك فقط.
ككل النسخ الهوليودية المقتبسة عن أفلام أجنبية تمت إعادة صياغة القصة لتصبح أكثر محلية كما تمت إضافة حبكة ثانوية غير موجودة في الفيلم الأصلي ركزت على مشكلة الشاب الجامعية وتبعاتها.
أيهما أفضل؟
يميل السينمائيون عادةً لنقد النسخ الهوليودية المقلّدة وادعاء أن الفيلم الجديد لا يمكن أن ينافس الأصلي ولا لزوم لصناعته أساساً، قد أوافق هذا الرأي في بضعة أفلام شاهدتها مسبقاً، على سبيل المثال: الفيلم الحاصل على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2009 ’’السر في عيونهم‘‘ للأرجنتيني ’’خوان خوسيه كامبانيلا‘‘ الذي قام ’’بيلي راي‘‘ بإعادة إنتاجه عام 2015 بمشاركة حفنة من نجوم هوليوود أو فيلم ’’تورناتوري‘‘ ’’الجميع بخير‘‘ 1990 الذي أعيد أنتاجه بنسخة أمريكية عام 2009 بطولة ’’روبرت دي نيرو‘‘ أو فيلم الكوري ’’شان ووك بارك‘‘ ’’اولدبوي‘‘ 2003 الذي أعاد انتاجه ’’سبايك لي‘‘ عام 2013 أو فيلم الألمانية ’’ساندرا نيتلبيك‘‘ ’’مارتا الجميلة‘‘ 2001 بنسخته الأمريكية السيئة ’’لا يوجد حجوزات‘‘ 2007 لـ ’’سكوت هيكس‘‘.
قد تطول القائمة جداً إذا ما استمريت بتعداد الأفلام المعاد إنتاجها هوليوودياً لكنني سأكتفي بهذا القدر وأعود لآل باتشينو وفيتّوريو غازمان، قد أميل للقول بأن أياً من النسختين كان أفضل ولكنني سأظلم أحد الطرفين فالإيطالي جاء في أوج المرحلة الذهبية لأفلام الكوميديا الإيطالية أو ما يعرف بفترة ’’الكوميديا على الطريقة الإيطالية‘‘ فاتخذ من ركائزها وأسلوبها الهزلي نقطة لبدء محاور الفيلم بينما أخرج ’’مارتن برست‘‘ نسخته الأميركية بصبغة درامية جدية مع انطلاقة العودة القوية للسينما الهوليوودية في بداية التسعينيات، يمكنني القول أن التفوق الوحيد للنسخة الأمريكية هو أداء ’’آل باتشينو‘‘ المذهل في الفيلم من دون انتقاص قدرة ’’فيتّوريو غازمان‘‘ وأداءه المتقن في النسخة الإيطالية.
أهمية فكرة الفيلم هي استكشاف طبيعة أن تكون رجلاً، أو ذكراً بالمعنى الأدق، عندما تواجه فقدان لجزء منك أو من قوتك كأن تصاب بعجز رئيسي كالعمى هنا، في كلى الفيلمين نجد البطل يتغلّب على عجزه حين يقلل من ذكوريته ويرفع من إنسانيته.
يتعاظم تصوير ذكوريتهما عندما يعاملا النساء على أنهنّ أشياء ويتصرفان بتصرفات غريبة وعدوانية مثل البحث عن العاهرات أو (كما في الفيلم الأمريكي) قيادة سيارة الفيراري في شوارع نيويورك رغم الإصابة بالعمى.
وتأتي إنسانيتهما في النهاية عندما يستسلم غازمان للحب الحقيقي لسارة ويصبح آل باتشينو أب حنون على رفيقه الشاب.
لم تنكسر القاعدة هنا حيث أنك رغم طول النسخة الأمريكية لن تشعر بالملل ولكنها كما العادة تفتقر جزئياً لبعض الفن الموجود في السينمات الأخرى، والنهاية الهوليوودية السعيدة دائماً مع الحشد الكبير والهتاف المصاحب ووعد الحب الجديد يضيف نوعاً من عدم المصداقية والزيف للفيلم.
ولكن رغم ذلك لأول مرة أشاهد فيلماً معاد إنتاجه هوليوودياً ينافس النسخة الأصلية فنياً وسينمائياً.
جاك صقلي
تريلر Profumo di donna (1974)
Scent of a Woman (1992)