شهدت روما أول عرض لصور متحركة «كينيتوغراف» Kinetograph عام 1895 للمخترع ألبريني (1865-1937)F.Alberini وذلك قبل عرض الأخوين لوميير A.Lumiere في باريس بشهر واحد. وبعد عشر سنوات تم تحقيق أول فيلم تاريخي قصير لألبريني وسانتوني Santoni، وهو «احتلال روما». وكانت الأفلام الإيطالية الأولى والناجحة منها أفلاماً هزلية. ثم ثبت رواج الأفلام التاريخية الكبيرة، لسهولة استعمال ديكورات طبيعية جميلة، وقلة تكاليف الإنتاج.
بدأ التقدم الفني للإنتاج عام 1912 عندما حقق غواتسوني E.Guazzoni فيلمه الديني الأول «كووفاديس» Quo Vadis، وأنتج بادسكاله Padscale فيلم «سبارتاكوس»، وكازريني M.Caserini فيلم «دماربومبي» distruzione di Pompei. وفي عام 1914 حقق باسترونه Pastrone رائعته السينمائية «كابيريا» Cabiria، وسجل هذا الفيلم التاريخي حدثاً فنياً وتقنياً عظيماً في تاريخ السينما العالمية، وكان له تأثير كبير على السينما الأمريكية، وعلى المخرج والناقد الأمريكي غريفيث Griffith. ثم أتبعه باسترونه بفيلم «سقوط طروادة» (1915) الذي بنيت له الأسوار، وصُنع حصان خشبي ضخم من أجله.
لاقت هذه الأفلام نجاحاً كبيراً في الأسواق العالمية، مما شجع الإنتاج السينمائي، حتى أصبح هناك أكثر من عشر شركات إنتاج في كل من ميلانو وتورينو ونابولي وروما. وكان ينمو في السينما اتجاه أكثر واقعية استطاع أن يسهم في ولادة «الواقعية الجديدة» ويؤثر على المخرجين السوفييت. ومن أفلام هذه الحقبة: فيلم «الضائعون في الظلام» (1915) لنينو مارتوليو N.Martoglio، وفيلم «تيريزا» عن قصة للكاتب إميل زولا E.Zola.
كانت سيناريوهات تلك الحقبة تفوح منها رائحة أدب دانوتسيو، كاتب الحقبة الفاشية. هذا إلى جانب سلسلة الأفلام البوليسية والمغامرات. لكن براعة المخرجين لم تتمكن من إنقاذ السينما الإيطالية التي بدأت بالتراجع في أثناء الحرب العالمية الأولى. فقد سقط «اتحاد شركات الإنتاج الإيطالي» UCI عام 1924، ولم تستطع أفلام مثل «ميسالينا»، و«آل بورجيا»، و«تيودورا»، أو نجمات السينما الشهيرات وقتئذٍ إعادة التألق القديم. فقد سَخَّرَ موسوليني السينما لتكون بوقاً دعائياً لنظامه الفاشي. وظهر جيل السينما الناطقة، ومرحلة مايسمى بسينما «التليفونات البيضاء»، وأفلام الهروب من الواقع.
في عام 1935 تأسست «المدينة السينمائية» Cine città، والإدارة العامة للسينما، ووصل حجم الإنتاج عام 1939 إلى أربعة وثمانين فيلماً. إلا أن رجال السينما غير الموالين للنظام الفاشي راحوا يشكلون قاعدة لنهضة ثقافية وسينمائية كان لها أكبر الأثر على السينما الأوربية والعالمية؛ ومن هؤلاء: فيسكونتي الذي أخرج عام (1943)، فيلمه «وسواس» والذي منعته الرقابة، لكن تأثيره انتشر بسرعة لعرضه في أماكن خاصة. ثم تبعه المخرج بلازيتي A.Blasetti بفيلم «أربع خطوات بين الغيوم» (1942)، والمخرج الممثل فيتوريو دِه سيكا V.De Sica بفيلم «الأطفال ينظرون إلينا» (1942). وقد حملت هذه الأفلام بمضمونها ريح الواقع وشكلت تياراً سينمائياً جديداً، وظاهرة فريدة في أوربة والعالم سميت الواقعية الجديدة neorealismo. وقد وضع المخرج زافاتيني Zavattini لها نظرية قائلاً: «إنها شاعرية الرصد والتتبع لحياة الإنسان، وتسليط الضوء على الواقع بصدق من أجل حياة أفضل».
وكان لصرخة الممثلة أنّا مانياني A.Magnani، بطلة فيلم «روما مدينة مفتوحة» (1945) دوي في العالم أجمع. كما كان فيلم «باييزا» (1946) Paisa احتجاجاً صارخاً على الحرب والاحتلال حتى عدّه غريفيث نقطة تحول في تاريخ السينما العالمية. وقد عبّر هذان الفيلمان، إضافة إلى فيلم «ألمانية عام صفر» (1947) وجميعها للمخرج روبرتو روسّيلّيني R.Rossellini، بصدق عن المآسي والويلات التي لحقت بإيطالية والعالم. ثم تتالت أفلام كثيرة في هذا الاتجاه مثل فيلم «ماسحو الأحذية» (1946) للمخرج ده سيكا الذي يصور مآسي الأطفال المشردين، وفيلم «سارقو الدراجات» (1948) الذي يعبّر عن البطالة والعزلة الإنسانية، وفيلم «أعجوبة في ميلانو» (1950) الذي اتخذ من السحر والدلالة الشعرية وسيلة لتحليل الواقع، وفيلم «أُمبرتو دي»Umberto D (1952) الذي يصور عزلة المتقاعدين.
أما ثالث هذه المدرسة فهو المخرج فيسكونتي الذي أتبع فيلمه «وسواس» بفيلم «الأرض تهتز» (1948) رصد فيه تمرد صائدي الأسماك الصقليين على الإقطاعيين المالكين الكبار.
مضت الواقعية الإيطالية تتجه اتجاهاً معاصراً وتظهر كل يوم مخرجاً جديداً مثل ألبرتو لاتوادا A.Latuada، وماريو مونيتشلّي M.Monicelli الذي أبدع في الملهاة الشعبية بالتعاون مع الممثل الكوميدي اللامع توتو Totò. وقد لاقى فيلم «الرز المر» (1949) للمخرج جوزيبه دِه سانتيس G.De Santis نجاحاً عالمياً، وهو من بطولة سيلفانا مانغانو S.Mangano. وقدّم بيترو جيرمي P.Germi عام 1948 فيلم «باسم القانون» وهو فيلم عن المافيا الصقلية، وفيلم «طريق الأمل» (1950) وهو لوحة صادقة عن هجرة العاطلين عن العمل من موطنهم صقلية. وهكذا، ازدهرت السينما الإيطالية من جديد بعد الحرب العالمية الثانية إذ وصل الإنتاج عام 1950 إلى أكثر من مئة فيلم إضافة إلى أفلام الملهاة الشعبية الساخرة.
وازداد تأثير «الحركة الواقعية»، في الخمسينيات الثانية من القرن العشرين، في الجمهور الإيطالي بإنتاج أفلام تتحدث عن مساوئ النظام الديموقراطي الجديد مثل فيلم «سنوات سهلة» (1953) الذي أحدث ثورة في المجلس النيابي الإيطالي، وفيلم «خبز وحب وفانتازيا» (1953) من بطولة الممثلة جينا لولو بريجيدا G.L.Brigida الذي عبّرعن بؤس سكان جنوبي إيطالية، وفيلم «أبناؤنا» (1953) الذي تدور حوادثه حول جرائم الأحداث من الطبقة البرجوازية، وفيلم «الصرخة» (1957) الذي عالج أزمة رجال الثقافة الملتزمين مابعد الحرب العالمية الثانية.
واشتهر مخرجون إيطاليون تبوّؤوا مكانة عالية في عالم السينما الإيطالية والعالمية بسبب أفلامهم التي نالت شهرة واسعة مثل بيتروجيرمي في فيلمه «سائق القطار» (1956)، وفِدِريكو فِلّيني F.Fellini بفيلميه: «المتسكعون» (1953) و«جنرال الروفيرِه» (1959) Generale della Rovere، وفرنشيسكو روزي F.Rosi بفيلمه «سلفاتور جوليانو» (1962) ويتطرق فيه إلى منظمة المافيا التي تهدد المجتمع الإيطالي الجديد، ودِه سيكا بفيلم «الفلاّحة» la Ciociara الذي قامت بدور البطولة فيه الممثلة صوفيا لورين ويصورهذا الفيلم مآسي الحرب العالمية الثانية عن قصة للكاتب الإيطالي ألبرتومورافيا A.Moravia. أما بازوليني Pasolini فيفرض نفسه مخرجاً وكاتب سيناريو في كثير من أفلامه مثل «إنجيل متّى» و«الطيور الجوارح والعصافير». وحقق بعض المخرجين الإيطاليين أفلامهم خارج إيطالية مثل روسّلّيني في فيلمه «لويس الرابع عشر» (من إنتاج التلفزيون الفرنسي)، وأنطونيوني في فيلمه «انفجار» (في إنكلترة)، وبونتِكوروفو Pontecorvo في فيلمه «معركة الجزائر» (في الجزائر).
وتوالى كثير من الأفلام الإيطالية في الخمسينات ومابعدها يحصد جوائز عالمية شهيرة متعددة في مهرجانات سينمائية مختلفة. وانعكس الحوار الجدلي والسياسي على الملهاة الاجتماعية على الطريقة الإيطالية، واستطاع الرباعي الكوميدي ألبرتو سوردي A.Sordi، وأوغو تونياتسي U.Tognazzi، وفيتوريو غاسمان، ونينو مانفريدي N.Manfredi أن يسيطروا بموهبتهم التمثيلية على سوق الأفلام الداخلية والأوربية مدة عشرين عاماً. كما عالج بعض المخرجين الإيطاليين، في الستينيات ومابعدها، موجة أفلام «الكاوبوي» الأمريكية بأسلوب إيطالي ساخر مثل فيلم «من أجل حفنة من الدولارات»، و«الطيب والقبيح والشرير». ولم يزل الجدل السياسي والمشكلات الاجتماعية ماثلين في الأفلام الإيطالية حتى اليوم. واستطاعت السينما الإيطالية، منذ الربع الثالث من القرن العشرين، أن تنافس السينما الأمريكية إخراجاً وإنتاجاً وتمثيلاً على ضخامة إنتاج الأفلام الأمريكية التي مازالت تغرق الأسواق العالمية ومنها الإيطالية. على أن الفائق منها في السينما الإيطالية بقي محدوداً في الربع الأخير من القرن العشرين بغض النظر عن إنتاج أفلامها الناجحة.
عن
إيليا قجميني
الموسوعة العربية